الذكاء الاصطناعي يُؤجج الحروب المعاصرة

الذكاء الاصطناعي يُؤجج الحروب المعاصرة
د. ياسر عبد العزيز

تحفل دراسات الحرب وتطوراتها بالعديد من المداخل، التي يمكن تناولها من خلالها، وبعض تلك المداخل يتعلق بالجغرافيا السياسية، وبعضها الآخر يختص بالموارد أو التنظيم، كما يظل العنصر البشري أحد أهم تلك المداخل وأكثرها تأثيرا، سواء كان هذا العنصر قائدا ومخططا، أو جنديا فردا ضمن الجحافل المقاتلة.

لكن ثمة مدخلا حيويا يمكن من خلاله مقاربة تاريخ الحرب واستشراف مستقبلها.. إنه مدخل العلم، إذ سيمكن ببساطة اعتبار أن تطور الحرب ليس سوى انعكاس لتطور العلوم والقدرة على تسخيرها لخدمة آلة الحرب أو أهدافها، وفي هذا الإطار ستبرز خطورة تطور آليات الذكاء الاصطناعي، والأنباء المتواترة عن بدء تفعيل أدوارها في عمليات القتال. 

وللحرب تاريخ طويل مع العلم والمكتشفات الحديثة، ففي عام 212 قبل الميلاد، حين هاجم الجنود الرومان مدينة «سرقوسة»، الواقعة في جزيرة «صقلية»، بأسطول ضخم، قام أرشميدس، عالم الفيزياء والرياضيات والفلك الشهير، بتسخير قدراته العلمية في عملية الدفاع، عندما وضع ألواحا عاكسة في أماكن مختارة، بحيث أمكنها أن تعكس أشعة الشمس بكثافة شديدة، مستهدفة نقاطا محددة في سفن الأسطول الروماني، وهو الأمر الذي أدى إلى اشتعال الحرائق فيها.

وكما كان استخدام الخيول المدرعة حدثا مفصليا في تاريخ الحروب، أضحى استخدام العربة الحربية إيذانا بعصر جديد من عصور القتال، خصوصا بعدما حسم معارك مؤثرة غيرت مسار التاريخ، لكن في عام 1520، عندما تم اختراع البندقية الإسبانية، كان ذلك إيذانا بتغير جوهري في أساليب القتال، حيث توارت «شجاعة الفرسان» أمام «مخاتلات البنادق». 

ولعقود طويلة، كانت الخيول المُدّرعة كفيلة بحسم أي معركة من معارك الجيل الأول للحرب، إلى أن تم اختراع المدفعية، فباتت تلك الخيول وبالا على من يستخدمها. 

لقد حدث شيء من هذا القبيل، حين غزا نابليون بونابرت مصر في عام 1798، ليواجه بمدفعيته فرسان المماليك الشجعان في ملابسهم المزركشة، ودروعهم الثقيلة، وخيولهم الأصيلة. وكما نعرف، فقد كانت النتيجة مفجعة، إذ انهزم الفرسان الشجعان ببساطة، ولم يُمنحوا فرصة منازلة العدو بسيوفهم، وخرجوا من التاريخ.

لم يستفد فرسان المماليك شيئا من الخيول الأصيلة، لأن مدفعية الجيش الفرنسي كانت أكثر تأثيرا، لكن الآلة العسكرية الفرنسية كلها مُنيت بهزيمة نكراء لاحقا في مستهل الحرب العالمية الثانية، على يد الجيش الألماني، الذي كان يستخدم دبابات مدرعة خفيفة الحركة من نوع «بانتزر مارك الثاني»، وهي الدبابات التي مكّنته من تحقيق الاختراق في صفوف العدو، والالتفاف على خط «ماجينو».

فحين شاركت الدبابة في أولى العمليات الميدانية في عام 1916، اضطر القادة والمخططون إلى إجراء تغييرات جوهرية على خططهم ووسائلهم، وهو الأمر الذي ما لبث أن تعرض لهزة كبيرة بمجرد مشاركة الطائرة في الحروب بحلول عام 1918، حين كانت الحرب العالمية الأولى تشرف على النهاية.

وفي 6 أغسطس من عام 1945، حُبست أنفاس العالم، حين تم قصف مدينة هيروشيما اليابانية بالقنبلة الذرية، وهو الحدث الذي ظن كثيرون أنه بمنزلة نهاية مبكرة لـ«قصة الحرب»، لكن ما لبثت الحرب التكنولوجية أن استأثرت باهتمام بحثي كبير، خصوصا بعد بروز دور هجماتها في الصراعات المعاصرة.

إنها قصة الحرب إذًا. الموارد والمعدات والتكنولوجيا المتطورة ووسائل استخدامها تحدد اسم المنتصر إلى حد بعيد، بصرف النظر عن شجاعة المقاتلين أو الحق الأخلاقي.

واليوم، يبدو أن هذا المستقبل بات رهينة لمستجدات وتطورات الذكاء الاصطناعي، الذي سيكون عنصرا حاسما في حسم المعارك، أو هذا على الأقل ما أضحينا نعرفه بعدما كشفت الأنباء عن استفادة إسرائيل من عقود أبرمتها مع شركتي «مايكروسوفت» و«أوبن إيه آي» في توفير قدرات نوعية للتتبع والاستهداف، بشكل مكّنها من تحقيق اختراقات نوعية في جبهات القتال في غزة ولبنان. 

فوفقا لتحقيق استقصائي نشرته وكالة أنباء «أسوشيتد برس»، في الأسبوع الماضي، ارتفع معدل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بعد عملية «طوفان الأقصى»، بنحو 200 ضعف، إلى حد أن مسؤولين إسرائيليين أقروا بأن استخدام تلك التقنيات أسهم بقوة في تسريع عملية تحديد الأهداف، وتنفيذ عمليات التتبع والاستهداف. 

وفي الحرب الروسية- الأوكرانية ثبت أن الجيش الروسي أيضا اعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تنفيذ عمليات ناجحة في الدفاع الجوي، وتحديد الأهداف الحيوية، بغرض تسهيل قصفها. وبينما سيواصل القادة والمخططون العسكريون تعزيز فرص استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات الحربية، سيظل من الضروري أن يتوافق العالم على قواعد لاستخدام تلك التقنيات بشكل لا يحولها إلى آلات قتل عمياء، بسبب الأخطاء الكارثية التي قد ترتكبها، ودورها المُحتمل في اشتعال سباق تسلح رقمي عالمي.


*نقلا عن صحيفة «المصري اليوم»
 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية